الإضطراب ثنائي القطب - Bipolar disorder

الإضطراب ثنائي القطب - Bipolar disorder

الإضطراب ثنائي القطب (Bipolar disorder) يُدعى أيضًا بالإضطراب الإكتئابي الهوسي. وهو مرض نفسي يترواح خلاله الشَّخص بين نوبتين نفسيَّتين متطرِّفتين وهما الإكتئاب (Depression) والهوس (Mania). بين النَّوبات يكون الشَّخص معافًا.

  1. الإكتئاب Depression هو عبارة عن وضع نفسي يُعبِّر عن الحزن، عدم القدرة على الإستمتاع بالأمور، حالة خمول وشعور بالذنب وعدم القيمة.
  2. بينما الهوس Mania يعبِّر عن حالة يكون فيها الشَّخص مليئ بالطاقة، كثير الكلام والحركة، يشعر بالنِّشوة والعلاء المبالغ به الأمر الذي يدفعه للقيام بأفعال خطرة وغير منطقيَّة.

يُصيب المرض عادةً الأشخاص بين جيل 15 و 30، الذكور والإناث على السِّواء وقد تصل نسبته إلى واحد بين كل مئة شخص.

يُعزى المرض للتغيرات المتطرِّفة في مواد كيميائيَّة معيَّنة في المخ تُسمى بالإسم العام ناقلات كيميائيَّة عصبيَّة (Neurotransmitters) ومن أهمِّها السيرتونين (Serotonin)، النورأدرينالين (Noradrenalin)، والدّوبامين (Dopamine).

إنَّ أسباب الإضطراب ثنائي القطب ما زال مبهمًا إلا أنَّ العديد من عوامل الخطر للإصابة به معروفة :

  • الوراثة: وجود المرض في العائلة يزيد من فرص الإصابة، ويُعتبر من أكثر الأمراض النفسيَّة المتؤثِّر من ناحية وراثيَّة. كما ووُجد أيضًا أنَّ وجود مرض الإكتئاب أو اضطراب فرط النشاط ونقص الانتباه ADHD في العائلة أيضًا يُشكِّل عامل خطر للأصابة بإضطراب ثنائي القطب.
  • ألتعرُّض للضغوطات النفسيَّة والتجارب السيِّئة يزيد أيضًا من فرص الإصابة بالمرض ويجعل علاجه أصعب.
  • وُجد أيضًا أنَّ إنجاب الأطفال عندما يكون الأب بسن متقدِّمة يرفع نسب الإصابة بالمرض لدى أطفاله.
  • قلَّة النَّوم وإستهلاك السُّموم يزيدان من فرص حدوث نوبة هوس للممصابين بالمرض.

كما أسلفنا الذِّكر فإنَّ المريض قد يُصاب بالهوس أو بالإكتئاب، فتختلف العوارض بحسب الحالة النفسيَّة على النحو التالي :

الهوَّس Mania 

لكي يُشخَّص المريض بحالة هوس Mania يجب أن يتوفَّر ثلاثة عوارض من العوارض الآتية لمدة أسبوع أو أكثر بحيث أنَّ هذه العوارض تكون في غالب اليوم:

  • كثرة وسرعة في الكلام.
  • إلتهاء مُفرز (Distractibility) وقلَّة التركيز.
  • القيام بأعمال ذات أهداف محدَّدة عادةً يكمن فيها خطر معيَّن.
  • عدم الرَّاحة، كثرة الحركة وقلَّة في النَّوم.
  • التعرُّض لأفكار سريعة والإنتقال بينها بشكل غير منتظم.
  • الشعور بالعظمة، فيشعر الشخص بأنَّه بالغ القوة، الذكاء والقدرة.
  • التخطيط بل وأحيانًا عمل أمور صعبة ومبالغ فيها دون أي شعور بالمسؤوليَّة.

بالإضافة يميل الشخص إلى سرور مبالغ فيه إلى حد النَّشوة، رغبة مفرزة في ممارسة الجنس، شراء أمور فوق طاقته ولعب القمار، كما وفي كثير من الحالات ينتاب المريض حالة غضب وعدائيَّة.

هناك حالة أخرى وتُسمَّى بالهوس الخفيف (Hypomania)، وهي الحالة التي تكون فيها أعراض الهوس قليلة وغير كثيفة، إذ يشعر الشَّخص بحسن الوجود، قدرة الإنتاج، والجوانب السعيدة في حياته بشكل مبالغ فيه.

الإكتئاب Depression

لتشخيص حالة الإكتئاب يجب توفر خمسة أعراض من التسعة الآتية بشرط توفُّر العارض الأول أو الثاني من بينها، هذه العوارض يجب أن تكون يوميًّة ولمدَّة لا تقل عن أسبوعين.

  1. ألشُّعور بالحزن المُزمن والفراغ في الأحاسيس.
  2. فقدان الإهتمام والقدرة على الإستمتاع بالعمل، الهوايات، مقابلة الناس، والعديد من الأعمال.
  3. التَّعب الدَّائم والشعور بفقدان الطَّاقة.
  4. الشعور بعدم الأهميَّة أو الذَّنب على عمل مُعيَّن، فقدان الأمل.
  5. عدم القدرة على التركيز، تذكُّر التفاصيل وأخذ القرارات.
  6. تغيُّرات في النَّوم : قلَّة النوم والنهوض باكرًا في الصَّباح، أو المبالغة في النَّوم.
  7. فقدان الشَّهيَّة أو الأكل المُفرز.
  8. قلَّة حركة ملحوظة، أو على العكس قد يعاني المريض من عدم القدرة على الجلوس براحة ويكون دائم الحركة.
  9. التَفكير أو القيام بالإنتحار. وهو الخطر الأساسي من المرض.

إنَّ أعراض كل قطب من القطبين تختلف من مريض لآخر من حيث نوعها، مدَّة إستمرارها، وكثافتها. من جهةٍ أخرى فإنَّ الشخص قد يعاني من أحد القطبين عدَّة مرات قبل أن ينتقل للقطب الآخر بحيث أنَّ النسبة بينهما ليست متكافئة دائمًا.

بالإضافة إلى ذلك قد يعاني المرضى من ميِّزات ذُهانيَّة (Psychotic)، فمثلاً قد يسمعون أصوات غير موجودة الحالة التي تُسمى بالهلوسة (Hallucination)، أو تتهيَّأ لهم أفكار ومعتقدات غير حقيقيَّة الحالة التي تُسمى بالتَّوهمات (Dellusions).

هناك عدَّة أنواع من مرض الإضطراب ثنائي القطب، تتَّسم كلها بتعرُّض المريض لهذين القطبين الهوس والإكتئاب (manic depression) خلال مرضه وتختلف في شدَّة العوارض، ومدة تعرُّض الشَّخص لها:

  • إضطراب ثنائي القطب النوع الأول (Bipolar 1): يعاني فيها المريض من حالة هوس واحدة على الأقل خلال حياته، لكن الأمر الشائع أن يتنقل الشَّخص بين عدَّة نوبات من القطبين الهوس والإكتئاب.
  • إضطراب ثنائي القطب النوع الثاني (Bipolar 2) : يعاني فيها المريض من حالة هوس خفيف وإكتئاب كبير على الأقل نوبة واحدة لكل منها خلال حياته.
  • دورويَّة المزاج (Cyclothymia): حالة يتنقل فيها الشَّخص بين الوضعين النفسيَّين: إكتئاب خفيف وهوس خفيف. في كلا القطبين العوارض لا تكون كثيفة بما فيها الكفاية لكي تلائم تشخيص الإكتئاب الكبير (Major depression) أو الهوس (Mania).
  • إضطراب ثنائي القطب مختلط (Mixed Bipolar disorder): وهي الحالة التي يعاني فيها المريض من القطبين الهوس والإكتئاب في ذات الوقت أو بشكل متعاقب لدرجة التَّداخل بين الحالتين.
  • Rapid Cycling Bipolar disorder: وهي الحالة التي يعاني فيها المريض من أربعة نوبات أو أكثر في السَّنة الواحدة. ألنوبة يمكن أن تكون إكتئاب كبير أو هوس.

ليس هناك أيَّة فحوصات جسديَّة، مخبريَّة أو صوريَّة لتشخيص مرض الإضطراب ثنائي القطب، فمقابلة الطّبيب ونقل تفاصيل دقيقة عن المشاعر، الأفكار، والحالة النفسيَّة كفيل بالتشخيص، حيث أنَّ الطبيب يقوم بتوجيه الأسئلة وبدقَّة لجمع المعلومات اللازمة التي تخص العوارض، مدَّتها، كثافتها، ووتيرة ظهورها.

يقوم الطَّبيب أيضًا بنفي حالات نفسيَّة أخرى التي يمكنها أن تظهر كتغيرات مزاجيَّة حادَّة مثل إضطراب الشَّخصيَّة الحَديَّة (Borderline personality disorder)، إضطرابات سلوكيَّة، إضطراب نقص الإنتباه وفرط النَّشاط (ADHD)، إستهلاك السُّموم وغيرها.

بالإضافة إلى ذلك فإنَّ مرضى الإضطراب ثنائي القطب كثيرًا ما يعانون من مشاكل نفسيَّة أخرى في وخاصَّة إضطرابات القلق على أنواعها وإستهلاك السُّموم مما يجعل التشخيص مُهمَّة أصعب.

على الطَّبيب أيضًا نفي حالات مرضيَّة جسديَّة التي قد تعطي عوارض شبيهة بإضطراب ثنائي القطب مثل مشاكل الغدَّة الدُّرقيَّة، مرض الذَّئبة، ومرض نقص المناعة المكتسب (HIV)، كما وأنَّ إستعمال بعض الأدوية مثل الستيرويد قد يؤدي أيضًا لعوارض شبيهة.

خطوة إضافيَّة يتوجَّب على الطَّبيب القيام بها بعد التَّشخيص وهي تحديد نوع المرض بشكل دقيق حسب ما فُصِّل أعلاه، وكثيرًا من الأحيان لا يمكن القيام بذلك إلا بعد مرور فترة طويلة على التَّشخيص حتى يرى الطَّبيب طبيعة العوارض، مُدَّتها ووتيرة ظهورها.

ليس هناك إمكانيَّة للشفاء من المرض، لكن هناك العديد من طرق العلاج التي بإمكانها السَّيطرة على المرض وعوارضه بشكل ناجع. يتكوَّن العلاج عادةً من أحد أدوية مُثبَّتات المزاج أو/و مُضادّات الذُّهان بالإستعانة بالعلاج النفسي.

أهم طُّرق علاج الإضطراب ثنائي القطب:

الأدوية لعلاج الإضطراب ثنائي القطب

يُعتبر العلاج الأكثر أهميَّة، في الغالبيَّة السَّاحقة من الحالات على المريض تناوله طيلة حياته :

مُثبتات المزاج (Mood stabilizers)

تحافظ على إتزان المواد الكيميائيَّة في الدِّماغ فتمنع التغيُّرات المتطرِّفة في تركيزها وبالتالي تُقلل من تقلُّبات المزاج المُتطرِّفة. أكثر هذه الأدوية إستعمالاً :

  1. الليثيوم (Lithium): ألدَّواء الأهم، يُقلل نوبات الهوس وإلى حدٍّ أقل نوبات الإكتئاب، لذلك عادةً يتم إستعماله مع أدوية مضادَّة للإكتئاب.
  2. Valporic acid: يُستعمل أساسًا ضد مرض الصَّرع لكن وُجد أنَّه فعَّال ضد إضطراب ثنائي القطب أيضًا.
  3. مُضادَّات صرع أخرى (Anti-Epileptic): مثل Carbamazepine، Lamotrigine.
  4. مُضادَّات الذُّهان (Anti-psychotic): وهي الأدوية التي تُستعمل أساسًا لمرض فُصام الشَّخصيَّة (Schizophrenia) مثل Olanzapine، Risperidone. يُمكن إستعمالهما ضد الميِّزات الذُّهانيَّة التي قد تحدث في مرض الإضطراب ثنائي القطب لكنها بحد ذاتها لها أيضًا تأثير مُثبِّت للمزاج في حالة فشل المجموعة الأولى.
  5. مُضادَّات الإكتئاب (Anti-Depressant): هناك العديد من الأدوية التي تملك فعاليَّة ضد الإكتئاب أكثرها إستعمالاً هي أدوية من مجموعة ال SSRI ودواء ال Bupropion. يتجنَّب الطَّبيب الوصف المبالغ فيه لهذه الأدوية، لأنَّ إستهلاكها المبالغ قد يحث على حدوث نوبة هوس.
  6. البنزوديازيبين Benzodiazepines: أدوية مُهدِّئة، مُقلِّلة للمخاوف، وتساعد على النَّوم.

من الصَّعب التَّنبُّؤ بكيفيَّة إستجابة كل مريض للأدوية مُقدَّمًا وعادةً يوصف الطَّبيب علاجًا تجريبيًّا حسب المعايير المطلوبة وفي حالة فشلها ينتقل لعلاجٍ آخر.

العديد من هذه الأدوية تملك أعراضًا جانبيَّة تُوجب المريض القيام بفحوصات دائمة لإستباق أي أضرار فمثلاً المرضى الذين يتناولون دواء الليثيوم يحتاجون إلى إجراء فحوصات دم دائمة لمراقبة عمل الكلى والغُدَّة الدُّرقيَّة.

طرق علاجيَّة أخرى موجَّهة ضد للإكتئاب بشكل خاص:

العلاج النفسي (Psychotherapy)

عادةً يلجأ الطبيب للعلاج النفسي كعلاج إضافي للدَّواء، فيهدف المُعالج من خلال هذا النوع من العلاج إلى تقديم الطُّرق المناسبة للمريض لكي ينجح بالتعامل مع الصعوبات اليوميَّة التي تواجهه، أن يكون واعيًا لنفسه ولمشكلته النَّفسيَّة، يحثُّه على إستعمال الدَّواء إذا لزم ويرافق حالة المريض فيستطيع ملاحظة سوء حالته أو تحسُّنها. ألعلاج النفسي يؤثر بصورة أبطئ من العلاج بالدَّواء لكن من جهةٍ أخرى فهو خالٍ من الأعراض الجانبيَّة. هناك عدَّة طرق للعلاج النَّفسي، أهمُّها:

  1. العلاج المعرفي السُّلوكي (Cognitive behavioral therapy): يُركِّز على كيفيَّة تعامل المريض مع الأحداث من حوله، كيف يفكر تجاهها وكيف يتصرَّف نتيجة لها. حيث أنَّ لتعامل المريض مع هذه الأحداث تأثير كبير على مشاعره.

  2. العلاج "بين الأشخاص" (Interpersonal therapy): يُركز على علاقة الشخص مع الآخرين، حيث أنَّ لهذه العلاقة تأثير كبير على مشاعره السَّلبيَّة.

  3. Psychodynamic therpay: يحاول المُعالج البحث عن سبب للكآبة حيث يعود لطُفولة المريض بحثًا عن وجود أحداث يمكنها تفسير مشاعر الشَّخص.

  4. العلاج بحضور العائلة (Family therapy): يُساعد العائلة على تفهُّم المرض والتعامل معه بشكلٍ أفضل.

  5. العلاج بالمجموعات (Group therapy): جمع عدد من مرضى إضطراب ثنائي القطب في علاج واحد يُساعد المرضى على تفهُّم مرضهم بشكلٍ أفضل وإكتساب طرق جديدة للتعامل معه.

المعالجة بالتَّخليج الكهربائي (Electroconvulsive therapy)

وهو عبارة عن تمرير تيار كهربائي في الدِّماغ عن طريق أقطاب كهربائيَّة تُوصل إلى جلدة الرَّأس. تتم هذه العمليَّة تحت تخديرٍ كامل. يُعتبر من أكثر العلاجات فعاليَّةً للكآبة ويُوصف للمرضى عندما:

  • لا توجد هناك إستجابة للعلاجات الأخرى.

  • يحتاجون لعلاج فوري مثل المرضى الذين يميلون للإنتحار.

  • بوجود أمراض أخرى تمنعهم من تناول الدَّواء.

  • وجود ذُهان أو إضطراب ذو القطبين.

حث العصب المُبهم (Vagus nerve stimulation)

وهو أحد الأعصاب الذي يخرج من الدِّماغ. وُجد أنَّ حثِّه كهربائيًّا عن طريق جهاز يُوصل من تحت الجلد له فاعليَّة إيجابيَّة ضد الإكتئاب.

الحث المغناطيسي عبر الجمجمة (Transcranial Magnetic Stimulation)

حث تيَّار كهربائي في الدِّماغ عبر خلق حقل مغناطيسي. مقارنةً بالـ ECT فإنَّ الحث المغناطيسي يُستعمل في إكتئاب أخف، ولا يؤدي إلى نوبة صرع كما ولا يتطلَّب تخدير المريض.

تغييرات في نمط الحياة

إتِّباع نظام حياة هادئ ومنتظم يساعد على التقليل من النَّوبات وبالتالي يعطي نتائج علاجيَّة أفضل، فمثلاً تنظيم الأكل وأوقات النوم، كما وأنَّ تحنب المخدرات والكحول امر هام جداً في السَّيطرة على المرض.

26/10/2012