لا تغضّوا البصر عن الخطورة: الزَرَق (جلوكوما)

هذا المقال تمت الموافقه عليه من قبل الطاقم المهني

الزرق يسمّى أيضًا "سارق البصر": ليست له أعراض - حتى مراحل متقدّمة منه، والتي فيها لا يمكن علاج الضرر المتسبّب للبصر. في أغلب الحالات، إجراء فحص دوري يمنع تفاقم الحالة.

لا تغضّوا البصر عن الخطورة: الزَرَق (جلوكوما)

عمليّة البصر تبدأ باستيعاب الإثارات الخارجيّة من قِبل العين، لكن عمليّة البصر المكتملة مشروطة "بترجمة" المعطيات التي تستوعبها العين إلى إشارات كهربائيّة يتمّ إرسالها إلى الدماغ - لغرض تحليلها وتفسيرها. ما بين العين والدماغ، يوجد العصب البصري - وهو العصر المسؤول عن تحويل هذه المعطيات من العين إلى الدماغ وبالعكس.

ما هو الزرق؟

الزرق هو مرض مزمن، ينعكس في أغلب الأحيان في ارتفاع الضغط داخل العين، ممّا يؤدّي إلى إلحاق ضرر بالعصب البصري وبأدائه. في نهاية الأمر، تضرّر أداء العصب البصري يعني تضرّر البصر نفسه. بدون التشخيص والعلاج المبكّر، لا يسمكن علاج هذا الضرر - بل وأنّه قد يؤدّي إلى العمى. بخلاف العمى الناجم عن الكاتاراكت - لا يمكن علاج العصب البصري منذ لحظة تضرّره، ولا يمكن استبدال العصب البصري.

في أعلى الصورة: عصب سليم، في أسفل الصورة: عصب متضرّر نتيجة الضغط داخل العين. تصوير: شاترستوك

ما هو سبب ارتفاع الضغط داخل العين؟ كيف يؤثّر الأمر على العصب البصري؟

يوجد داخل العين جهاز داخلي مكوّن من الخلايا، ووظيفتها إنتاج سائل يغذّي أنسجة العين. وظيفة جهاز الخلايا هذا - التأكّد من الحفاظ على توازن بين كميّة السائل الداخل إلى العين وكميّة السائل الخارج منها. بهذا الشكل، يحرص الجسم على عدم جفاف الأنسجة (من ناحية) وعلى عدم تكوّن وذمات فيها (من ناحية أخرى).
الزرق هو مرض ناجم عن مشكلة ما في تصريف السوائل من وإلى العين، في تراكم السوائل وفي تكوّن الضغط داخل العين، والذي يؤثّر على العصب البصري.

ما هي نسبة انتشار مرض الزرق؟

الزرق هو مرض يميّز أبناء الجيل الثالث. يبدأ المرض بالظهور من جيل 40 فما فوق، مع ضمور الجسم الطبيعيّ؛ وتبلغ نسبته حدّها الأقصى كلّما تقدّم الإنسان في العمر. بحسب التقديرات، %5-%3 من الأشخاص في جيل الـ 70 والـ 80 يعانون من المرض.

يدور الحديث عن أحد أمراض الجيل الثالث الأكثر شيوعًا في العالم الغربي، لكن هناك فئات إثنيّة أخرى في العالم التي تميل كثيرًا من الناحية الوراثيّة للإصابة بمرض الزرق، مثل الفئات من أصور إفريقيّة أو صينيّة.

نسبة انتشار الزرق الدقيقة غير معروفة، وذلك لأنّ أكثر من %50 من المصابين فيه لا يعرفون بأنّهم مصابون إلّا في مرحلة متأخّرة جدًا. بحسب التقدير، في سنة 2000، كان هناك ما يقارب 70 مليون مريض حول العالم، من بينهم %10 مصابون بالعمى بعين واحدة على الأقلّ.

هل هناك عدّة أنواع من الزرق؟

هناك نوعان من الزرق:

النوع الأوّل: الزرق المزمن المفتوح الزاوية (Primary Open Angle Glaucoma) - هذا النوع من الزرق يتطور بهدوء وبدون أيّة أعراض؛ غالبيّة الحالات في العالم الغربي مصنّفة ضمن هذا النوع.

مجموعة الزرق المفتوح الزاوية، تشمل مجموعتين من الجدير ذكرهما:

الزرق الذي يكون فيه الضغط داخل العين سليمًا Normal Tension Glaucoma. في هذا المرض، على ما يبدو تكون هناك مشكلة في تزويد الدم إلى العصب البصري، وهذا يؤدّي إلى تضرّره. بسبب الضغط المنخفض، يتمّ تشخيص الحالة في مرحلة متأخّرة أو يتمّ تشخيصها بشكل ناقص.

الزرق على خلفيّة متلازمة التقشر الكاذب pseudoexfoliative glaucoma. يتميّ. هذا المرض بضغط مرتفع، بإلحاق ضرر كبير بالعصب البصري واستجابة ضئيلة للعلاج الدوائي. هذا المرض شائع جدًا لدى الأشخاص من الاتّحاد السوفييتي سابقًا، ممّن هم فوق جيل الـ 60.

النوع الثاني: زرق انسداد الزاوية Angle Closure Glaucoma. قد يتطوّر هذا النوع بشكل حادّ أو مزمن.

في الشكل الحادّ، يظهر ألم فجائي في العين، مصحوب بصداع، تشوّش في الرؤية، غثيان وتقيّؤات وضغط مرتفع داخل العين.

الشكل المزمن يتميّز بنوبات خفيفة وعابرة من الإحساس بالضغط أو اضطراب في مقلة العين. لكن أحيانًا لا تظهر أيّة أعراض، ويتمّ اكتشاف المرض فب مرحلة متأخّرة بحيث يكون الضغط داخل العين مرتفعًا جدًا، ويكون العصب البصري ومجال الرؤية قد تضرّرا كثيرًا.

ما هي مسبّبات الزرق؟

أولًا، ظهور الزرق متعلّق بعوامل وراثيّة. لذلك، كلذ من لديه قريب من الدرجة الأولى أو الثانية مصاب بالزرق - معرّض جدًا للإصابة فيه أيضًا؛ يستحسن إجراء فحوصات دورية على فترات متقاربة، ابتداءً من جيل 40.

هناك عوامل أخرى قد تؤدّي هي أيضًا إلى تضرّر جهاز تصريف السوائل في العين، وهي العلاج الدوائي بالسترويدات للالتهابات المختلفة؛ قصر البصر، صدمات إصابة للعين حتى في سنّ الطفولة؛ بالإضافة إلى مبنى معيّن للعين، والذي يمكن اكتشافه في فحص فقط، إذ يسبّب هذا المبنى مشكلة مثل صغر الزاوية أو متلازمة التقشّر الكاذب.

في جميع الحالات، العوامل المختلفة تحدّ من قدرة العين على الموازنة في تصريف السوائل الموجودة فيها؛ وجراء ذلك يزداد الضغط داخل العين ويتضرّر العصب البصري.

ما هي أعراض الزرق؟

بما أنّ الزرق في مراحله الأولى (وحتى في مراحل متقدّمة أكثر) ليست له أعراض، الدليل الطبي الأهمّ هو اكتشاف الارتفاع في اضغط داخل العين. هذا هو عامل الخطورة الأوّل - ويمكن اكتشافه بواسطة فحص لدى الطبيب فقط.

دون مبادرة المتعالج أو الطبيب لإجراء التشخيص، سيتمّ اكتشاف المرض في مراحل متقدّمة فقط، والتي يكون فيها العصب البصري قد تضرّر بشكل لا يمكن علاجه، بل أنّه حتى قد يؤدّي إلى العمى.

لهذا السبب، يستحسن إجراء فحوصات روتينيّة لاكتشاف المرض ابتداءً من جيل 40. الأشخاص الذي لديهم في العائلة عوامل وراثيّة أو تناولوا أدوية سترويديّة لعلاج التهابات معيّنة، يجدر بهم أن يجروا فحوصات بوتيرة أعلى - وأن يزوروا مسبقًا طبيب عيون مختصّ بمرض الزرق. فوق جيل الـ 60، يستحسن إجراء الفحص مرّة في السنة.

كيف يتمّ علاج الزرق؟

الهدف من العلاج هو اكتشاف تكوّن الضغط داخل العين؛ وفي اللحظة التي يتمّ ذلك - يجب متابعة الأمر والتأكّد من نجاعة العلاج الدوائي. بما أنّ الزرق هو مرض مزمن (لا يمكن علاجه)، فالعلاج هو للعرض الرئيسي للمرض - الضغط داخل العين - أيّ تقليله؛ وخلق توازن في تصريف السوائل في العين بشكل دائم طيلة حياة المتعالج.

في المرحلة الأولى، يتمّ تقليل الضغط داخل العين وموازنة مشكلة تصريف السوائل بواسطة قطرات للعين. هناك بعض أنواع القطرات - إذ يتمّ اختيار النوع الملائم من قِبل الطبيب المعالج، سواءً وفقًا لحالة الضغط داخل العين أو وفقًا لاستجابة المتعالج لأنواع القطرات المختلفة إلى أن يتمّ إيجاد النوع الملائم مع أقلّ ما يمكن من الأعراض الجانبيّة.

إن لم يكن العلاج بواسطة القطرات مجديًا (أو إن لم يعد مجديًا)، المرحلة التالية هي تقديم العلاج بالليزر؛ وفي المرحلة الأخيرة - العلاج الجراحي. الهدف من العلاج بالليزر والعلاج الجراحي هو تقليل الضغط داخل العين وعلاج مشكلة تصريف السوائل. بسبب المخاطر التي ينطوي عليها العلاج الجراحي، يتمّ في المرحلة الأولى دائمًا تقديم العلاج بواسطة قطرات العيون.

هل يمكن تفادي ظهور الزرق؟

لا يمكن تفادي ظهور الزرق، لكن يمكن بالطبع تأخيره أو تفادي إلحاق ضرر بالعصب البصري، وذلك بواسطة تشخيص المرض في مرحلة مبكّرة. يتمّ التشخيص من خلال فحص لدى طبيب عيون (وليس من خلال فحص لدى أخصّائي بصر!) - إذ يشمل فحصًا للكاتاراكت، فحص ضمور مركز الشبكيّة والمشاكل الأخرى عديمة الأعراض.

ملخّص: الزرق هو مرض منتشر وشائع قد يؤدّي إلى العمى، وذلك لأنّه لا يمكن الشعور بالمرض وليست له أعراض حتى مراحل متقدّمة منه. مراجعة طبيب العيون بشكل دائم، من حيل 40 فما فوق، تمكّن الطبيب من تشخيص المرض في مرحلة مبكّرة واتّخاذ الخطوات اللازمة لتفادي إلحاق ضرر لا يمكن علاجه بالعصب البصري.

د. تمار بيدوت-كلويزمان مسؤولة خدمة مرض الزرق في مستشفى "بني تسيون"؛ وجرّاحة عيون كبيرة في صندوق المرضى "كلاليت" في حيفا.

موقع  Zap Doctors.

15/02/2020