مرض الزرق: التشخيص، العلاج والتجديدات

هذا المقال تمت الموافقه عليه من قبل الطاقم المهني

مرض الزرق سمّى أيضًا "سارق البصر الهادئ" - ومن المهمّ تشخيصه بشكل مبكّر وإجراء فحص للضغط داخل العين. كيف يتمّ علاج المرض؟ ولماذا يعتبَر الليزر البارد تجديدًا تكنولوجيًا مبتكرًا؟

مرض الزرق: التشخيص، العلاج والتجديدات

مرض الزرق هو أحد الأسباب الشائعة لتضرّر البصر، وقد يؤدّي إلى الإصابة بالعمى (ما يقارب %2.5 من سكان العالم مصابون بمرض الزرق). بما أنّ مرض الزرق ليست له أيّ أعراض مسبقة، يُطلَق على المرض اسم "سارق البصر الهادئ".

يؤدّي مرض الزرق إلى إصابة في العصب (العصب البصري)، والتي يعجز الطبّ الحديث عن علاجها - لذلك، الطريقة الوحيدة للحدّ من تفاقم المرض هي اكتشافه المبكّر. إن لم يتمّ تشخيص الحالة مبكّرًا - سيتضرّر البصر وقد يبلغ الأمر إلى فقدان البصر تمامًا.

قياس الضغط داخل العين. تصوير: شاترستوك

ما هو مرض الزرق؟

مرض الزرق هو تضرّر العصب البصري، وهو العصب الذي ينقل إثارة الرؤية من العين (وهي بمثابة كاميرا عمليًا) - إلى الدماغ الذي يقوم بترجمتها.

تضرّر العصب البصري ناجم عن حالة يكون فيها خلل في أداء نظام تصريف السوائل من العين. السوائل التي تتكوّن في تجويف العين لا تتفرّغ إلى خارج العين - وتؤدّي إلى ارتفاع في الضغط داخل العين ممّا يؤدّي إلى تضرّر العصب البصري. مع مرور الوقت، ينفذ العصب الاحتياطي نتيجة ارتفاع الضغط داخل العين، وتبدأ حالة لا يمكن علاجها، والتي فيها يتضرّر العصب البصري الرئيسي، وإن لم يتمّ علاج الحالة في الوقت المناسب، قد يؤدّي الأمر إلى تضرّر البصر بشكل كبير.
 

ما هي مسبّبات مرض الزرق؟

ارتفاع الضغط داخل العين يطرأ بسبب عوامل وراثيّة معيّنة، لكن كما في حالة فرط ضغط الدم الأوّلي - هنا أيضًا لم يتمّ بعد تحديد المسبّب المباشر للمرض.

هناك عدّة أنواع من الزرق:

الزرق مفتوح الزاوية - الزرق التدريجي: في أغلب الحالات، مسبّب الزرق هو الارتفاع التدريجي في الضغط داخل العين. في جزء من الحالات، ينشأ المرض برغم أنّ الضغط داخل العين يكون سليمًا - على ما يبدو، لأنّ الضغط مرتفع، بالنسبة للشخص تحديدًا ( الزرق مع الضغط السليم شائع أكثر لدى النساء، لدى الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات في ضغط الدم، بالأخصّ ضغط الدم المنخفض!، ومن الصداع النصفي، ومن انقطاع النفس الانسدادي النومي وما إلى ذلك).

زرق خلقي: يظهر لدى الأطفال والمواليد الجدد - ويتمّ تشخيصه بشكل عام لدى الولادة او في الأشهر الأولى.

الزرق الثانوي الناجم عن مشاكل أخرى في العيون: يظهر "كعرض جانبي"، بالأخصّ لدى الأشخاص الذي خضعوا لجراحات مختلفة في العيون، مرضى السكري الذين تضرّر بصرهم، الأشخاص الذين عانوا أو يعانون من التهابات داخل العيون (التهاب العنبية - Uveitis)؛ ولدى الأشخاص الذين يتلقّون علاجًا ثابتًا بأدوية من عائلة الستيرويدات.

الزرق ضيّق الزاوية: ينجم عن المبنى الضيّق في مناطق تصريف السوائل في العين. ينقسم هذا النوع إلى نوعين فرعيّين. في الأوّل، يرتفع الضغط داخل العين بشكل تدريجي (كما شرحنا سابقًا)، والثاني هو الزرق النوبي الذي يطرأ بشكل فجائي إثر الانغلاق المفاجئ لزاوية تصريف السوائل في العين.

آليّة المرض في نوبة الزرق من نوع الزاوية الضيّقة-المغلقة. عندما ننتقل من حالة تواجد في الضوء إلى حالة تواجد في الظلمة (مثلًا في السينما)، يتوسّع بؤبؤ العين لكي يتيح المجال لدخول كميّة أكبر من الضوء. لدى الأشخاص الذي لديهم مبنى زاوية ضيّق، قد يسبّب توسّع البؤبؤ العين إلى سدّ منطقة تصريف السوائل في العين بشكل فجائي (وليس بالتدريج) - ممّا يؤدّي إلى نوبة زرق، تنعكس بآلام شديدة، تشوّش في الرؤية، الشعور بالغثيان أو التقيّؤ. في هذه الحالة، يجب التوجّه فورًا لتلقّي علاج طبّي.
 

ماذا تشمل عمليّة تشخيص مرض الزرق؟

في غالبيّة الحالات، ينجم الضرر بشكل تدريجي - وفي البداية تتضرّر الرؤية المحيطيّة، أو أنّ الحالة تظهر في عين واحدة فقط. بما أنّنا نرى في كلتا العينين، من الصعب جدًا ان نلاحظ الضرر الذي طرأ، لا سيّما أنّه ضئيل وغير محسوس في البداية.

لذلك، يُنصح لكلّ شخص يبلغ سنّ الـ 40 بإجراء فحص شامل لدى طبيب عيون مرّة في السنة، لفحص حدّة الرؤية، قياس الضغط داخل العين وفحص العصب البصري للتأكّد من أنّه سليم.

الأشخاص المعرّضون لخطورة الإصابة، مثلًا: الأشخاص الذين يعانون من قصر النظر، أو من لديهم خلفيّة زرق في العائلة - يجب عليهم الخضوع للفحوص بشكل دائم، بغض النظر عن جيلهم. الفحص لا يسبّب الانزعاج، ولا تؤثّر على روتين الحياة اليومي في يوم إجراء الفحص - لذلك، ليس هناك جيل محدّد موصى به لإجراء الفحص؛ يُنصَح بإجراء الفحث لكلّ من بإمكانه إجراؤه (من يستطيع الإجابة عن الأسئلة وان يضع رأسه على جهاز الفحص). مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنّ المرض لا يظهر لدى الأشخاص بسنّ المراهقة المتأخرة، حتى أولئك الموجودين ضمن المجموعة المعرّضة لخطورة الإصابة بالمرض.

يتمّ تشخيص غالبيّة الحالات من خلال فحص روتيني، إذ يفحص الطبيب من خلاله ما إذا كان الضغط داخل العين مرتفعًا أم سليمًا - لكن هناك شبهة بتضرّر العصب البصري. في هذه الحالات، يتمّ إجراء فحصين للمريض، وهما فحصان مهمّان وغير غزويّين.

فحص محوسب لمجال الرؤية: يتمّ فيه عرض نقاط ضوء مختلفة للشخص المفحوص، وفقًا لمجال الرؤية - ويجب عليه أن يضغط على زرّ خاص في كلّ مرّة يرى فيها النقطة. عند انتهاء الفحص، يحصل الطبيب على خريطة توضّح مجال رؤية المفحوص - وهكذا يمكن التحديد فيما إذا كان بصره سليمًا أم أنّ هناك ضررًا معيّنًا.

مسح ليزر محوسب: مسح العصب البصري بواسطة الليزر، وذلك بهدف الفحص ما إذا كان هناك نقص في الألياف فيه بسبب الضغط داخل العين (ممّا يشير إلى التآكل). بالإضافة، هذا المسح يمكّن من المقارنة مستقبلًا بين الفحوص - والتأكّد ما إذا كان مبنى العين ما زال مستقرًا أم أنّه تضرّر، أم أنّ هناك ضررًا يتفاقم مع تقدّم الوقت.

ما هي طرق علاج مرض الزرق؟

بعد أن تتوفّر المعطيات حول حالة العصب البصري، مجال الرؤية والضغط داخل العين - يقرّر الطبيب المعالج ما إذا كانت هناك حاجة للمراجعة والمتابعة الطبيّة فقط، أمّ أنّ هناك حاجة لتقديم علاج لتقليل الضغط داخل العين.

العلاج الدوائي: علاج بواسطة قطرات العيون من مختلف الأنواع، ويهدف إلى تقليل كميّة السوائل التي تنتجها العين، أو إلى تحسين عمل نظام تصريف السوائل. في الغالب، العلاج الدوائي ناجع للمدى الطويل - لكن إحدى سلبيّاته أنّه يشغِل المتعالِج بشكل يومي ويصعّب عليه المواظبة على ذلك (بالأخصّ عندما تكون هناك حاجة لتلقّي أكثر من نوع واحد من القطرات)، وقد يسبّب أعراضًا جانبيّة موضعيّة (حرقة، حكّة واحمرار موضعي) أو قد يسبّب أعراضًا جانبيّة جهازيّة (ضيق تنفّس، انخفاض مستوى وتيرة خفقان القلب).

علاج وقائي بالليزر (بضع القزحيّة - iridotomy): لدى بعض الأشخاص، والذين يميل مبنى العين لديهم للزاوية الضيّقة، يُنصَح بتلقّي علاج وقائي بالليزر، وذلك لتفادي خطورة حدوث نوبة الزرق. يُنصَح بهذا العلاج تحديدًا للأشخاص الموجودين ضمن مجموعة الخطورة - بعيدي النظر (من يضعون نظّارات مع عدسات (+)). العلاج سريع، لا يسبب الآلام، ويستغرق بضع دقائق ويتمّ إجراؤه بشكل إسعافي (لا داعي للمكوث للاستشفاء) لدى الطبيب.

العلاج بالليزر (رأب التربيق - trabeculoplasty): أحبّ أن أطلق على علاج الليزر هذا اسم "الدواء الجراحي"، لأنّ آليّة عمله تؤدّي إلى استجابة كيميائيّة في العين وإلى إنتاج مواد تحسّن أداء نظام تصريف السوائل في العين مثل القطرات، لكنّه يجري مرّة كلّ بضع سنوات.

هناك نوعان من علاجات الليزر (الدواء الجراحي)، يهدفان إلى تبديل/تأخير العلاج الدوائي أو أنه يمكن تلقّي هذه العلاجات بالإضافة إلى العلاج الدوائي، بالأخصّ للأشخاص غير القادرين على تلقّي العلاج بالقطرات لأسباب معيّنة، أو الأشخاص الذين لم يساعدهم العلاج الدوائي بما فيه الكفاية من أجل تقليل الضغط إلى المستوى المطلوب (ضغط الهدف). من خلال العلاج بالليزر، يمكن في غالبيّة الحالات التوصّل إلى حالة اتّزان للمرض بعلاج واحد ولفترة 5-1 سنوات.

في هذه العلاجات، يتمّ تسليط أشعّة الليزر إلى منطقة تصريف السوائل في العين لتكوين استجابة كيميائيّة ممّا يجعل نظام التصريف يعمل بشكل أنجع - وبالتالي يؤدّي إلى تقليل الضغط. الليزر "التاريخي" الذي تمّ تطويره لأوّل مرّة هو ليزر من نوع "أرغون"، "ليزر ساخن" يؤدّي خلال العلاج إلى حروق طفيفة في المنطقة المعالَجة - ولذلك يمكن إجراء هذا العلاج مرّة واحدة فقط؛ والليزر الأكثر تقدّمًا هو "الليزر البارد" (الليزر الانتقائي SLT) وهو ناجع بنفس الدرجة لكنّه لا يترك ندبات، ولذلك يمكن إجراؤه عدّة مرّات (وهذه أهمّ أفضليّات هذا العلاج) - لكنّه غير مشمول ضمن سلّة الخدمات الصحيّة، لذلك تكلفته أكبر.

العلاج الجراحي: في الحالات التي لا تنجح العلاجات الدوائيّة و/أو الليزر بالوصول إلى ضغط الهدف (الضغط الذي من المفترض أن يتوقّف فيه المرض أو أن يتباطأ تفاقمه بشكل ملحوظ)، لا مفرّ - يجب إجراء جراحات غزويّة.

الهدف من كلّ الجراحات هو إجراء ثقب في العين (بشكل أو بآخر)، بحيث تتصرّف السوائل عن طريقه مع أو بدون الأنبوبات التي تتمّ زراعتها داخل العين بهدف تجاوُز منطقة تصريف السوائل التي لا تعمل. يتمّ إجراء الجراحات بتخدير موضعي مع جرح صغير جدًا. كلّ جرّاح يختار نوع الجراحة (مع أو بدون أداة تُزرَع داخل العين) وفقًا لحالة المريض الذي يقدّم لع العلاج.

الثقب الذي يتمّ إجراؤه في العين هو عمليًا جرح، والجسم يميل إلى دمل الجروح، لذلك تجدر الإشارة إلى أنّ نجاعة العلاج محدودة من حيث الوقت - وهي تتعلّق بقدرة المتعالج الشخصيّة على إحداث الندبة وبالمستوى التقني لإجراء الجراحة.

هل هناك تجديدات في مجال الليزر البارد؟

العلاج بالليزر البارد جديد نيسبًا - ويتطلّب مهارات خاصّة من الطبيب المختصّ بعلاج الزرق. لذلك، غالبيّة أطبّاء العيون لا يجرون هذا العلاج. مؤخّرًا، دخلت إلى المجال شركة ناشئة إسرائيليّة اسمها "بلكين ليزر"، والتي طوّرت (بالتعاون مع د. غلودنفيلد) براءة اختراع تمكّن الأطبّاء من إجراء علاجات الليزر SLT بشكل روبوتي - بدون تدخّل يد الإنسان، ممّا يسهّل العلاج ويمكّن كلّ طبيب عيون من إجرائه. توشك الشركة على البدء بتجربة دوليّة سيتمّ إجراؤها في عدّة مراكز طبيّة.
 

ملخّص: تشخيص الزرق بشكل مبكّر، من خلال فحص مستوى الضغط داخل العين، وفحص العصب البصري - قد ينقذ بصركم. يوصى الخضوع للفحص مرّة كلّ سنة، بعد بلوغ سنّ الـ 40، أو ما قبل ذلك إذا كنتم ضمن مجموعة الخطورة. في حالة تشخيص مرض الزرق، يمكن علاجه بعدّة طرق - علاجات دوائيّة وعلاجيّة، بما في ذلك تكنولوجيا الليزر البارد الحديثة.



د. مردخاي (مودي) غولدنفيلد هو أخصّائي أمراض عيون، ومختصّ كبير بمرض الزرق؛ طبيب كبير في وحدة الزرق في قسم العيون في مستشفى "شيبا، تل هشومير.
 

موقع zapdoctors

 

27/05/2020