التصلّب المتعدّد: التشخيص المبكّر يسهّل عمليّة العلاج

هذا المقال تمت الموافقه عليه من قبل الطاقم المهني

هل تشعرون باضطراب في الإحساس، بتضرّر الأداء الحركي، الاتّزان أو بمشكلة في الرؤية؟ لا تقولوا إنّها "أعراض عابرة" - توجّهوا لإجراء فحوصات! إذا كان الحديث عن التصلّب المتعدّد، هناك أهميّة كبيرة للتشخيص المبكّر

التصلّب المتعدّد: التشخيص المبكّر يسهّل عمليّة العلاج

التصلّب المتعدّد هو مرض مناعي ذاتي مزمن، يلحق أضرارًا بالجهاز العصبي المركزي ويسبّب أضرارًا عصبيّة تتراكم مع السنوات بل أنّها قد تؤدّي إلى إعاقة. تشخيص المرض بشكل دقيق وفي مرحلة مبكّرة يمكّن الأطبّاء من تقديم العلاج الملائم، وفي العديد من الحالات يساعد التشخيص على تأخير أو وقف تفاقم المرض.

ما هي مسبّبات ظهور التصلّب المتعدّد؟

التصلّب المتعدّد (Multiple sclerosis) هو نوع من الامراض المناعيّة الذاتيّة: جهاز المناعة يهاجم مركّب الميالين في الجهاز العصبي المركزي، في الدماغ والنخاع الشوكي (الميالين هو مادّة تحيط المحاور العصبيّة). نتيجة لذلك، تحدث التهابات مُمَركزة تؤدّي إلى أضرار تصنَّف في بعض الحالات على أنّها أضرار عصبيّة. على مرّ السنوات، تتراكم إصابات نتيجة لمهاجمة جهاز المناعة، بشكل قد يؤدّي غلى تراكم إصابات عصبيّة يؤدّي بعضها حتى إلى الإعاقة.

حتى اليوم، كما الحال في معظم الامراض المناعيّة الذاتيّة، السبب الدقيق لظهور المرض ما زال غير معروف. يدور الحديث عن دمج معقّد جدًا ما بين العوامل الوراثيّة والبيئيّة.

  • العامل الوراثي: لا يدور الحديث عن مرض وراثي بمفهوم جين مختلّ - بل عن مجموعة من الجينات التي تزيد من احتمال إصابة أشخاص معيّنين بمرض التصلّب المتعدّد.
  • العامل البيئي: التعرّض لعوامل مختلفة، بما في ذلك التعرّض لجرثومة معيّنة، والتي لا تسبّب المرض بحدّ ذاتها بشكل مباشر، بل أنّ التعرّض لهذه الجرثومة على ما يبدو يسبّب ظهور المرض، كما وأنّ المستوى المنخفض من الفيتامين D والتدخين قد يسرّعان من تفاقم المرض.

أنواع التصلّب المتعدّد

قد يظهر مرض التصلّب المتعدّد بأحد الشكلين التاليين: التصلب المتعدد الناكس الهاجع (Relapsing Remitting MS) والتصلّب المتعدّد المتقدّم / المترقّي (Primary progressive MS)

التصلب المتعدد الناكس / الهاجع

التصلب المتعدد الناكس / الهاجع يظهر على شكل نوبات بينها هجوع (ومن هنا مصدر الاسم). هذا هو التصلّب المتعدّد الأكثر شيوعًا. يظهر هذا النوع لدى %85 من المصابين تقريبًا، وهو منتشر أكثر لدى النساء مقارنةً بالرجال (بنسبة 1:2)، ويبدأ غالبًا في جيل صغير (40-20). خلال النوبة، يصاب المريض بضرر كعيّن من مصدر عصبيّ، مثل: انخفاض الإحساس بجزء معيّن من الجسم، ضعف في أحد الأطراف، اضطراب في الرؤية، تضرر الاتّزان وما إلى ذلك. التضرّر العصبي يظهر بشكل عام خلال ساعات/أيّام ويختفي بشكل كامل أو جزئي بعد مرور فترة معيّنة، إذ تختلف هذه الفترة من شخص إلى آخر (غالبًا، العلاج يتمّ بواسطة سترويدات بجرعات عالية). بعدن أن تزول النوبة، حتى وإن لم يختفِ الضرر كليًا، تأتي فترة هجوع، والتي لا يشعر فيها المريض بتغيير أو تفاقم لحالته، إلى أن تظهر نوبة أخرى (بشكل عام، في منطقة مختلفة من الجسم). مع مرور الوقت، إن لم ينجح المتعالج بتأخير و/أو وقف النوبات، قد يتفاقم المرض ويؤدّي إلى تراكم إصابات عصبيّة مختلفة.

التصلب المتعدد المتقدّم / المترقّي

 

هذا النوع من التصلّب المتعدّد منتشر لدى %15 من المرضى تقريبًا، ويظهر بشكل عام في جيل الـ 50، بنسبة متساوية بين الرجال والنساء. بخلاف التصلّب المتعدّد الناكس/الهاجع، فإنّ التصلّب المتعدّد المتقدّم/المترقّي يتفاقم دون هجوع وبشكل بطيء مع مرّ الوقت. التصلب المتعدد المتقدّم / المترقّي يبدأ بشكل عام في منطقة الرجل. غالبًا، خلال الأشهر الأولى، يشعر المريض بضعف طفيف في الرجل، تحديدًا بعد المشي المتواصل. في البداية، هذا الضعف لا يؤثّر على الأداء اليومي، بل أنّه يشبه الإحساس بانكماش العضلات - ولهذا السبب، معظم المتعالجين لا يخضعون للفحوصات في المراحل الأولى من المرض، بل بعد فترة ما (بشكل عام بعد مرور سنة تقريبًا)، وذلك بعد أن يزداد الإحساس بالضعف و/أو بعد ظهور الأعراض في اليد المتلائمة أو في الرجل الثانية. يستمرّ المرض بالتفاقم والتطوّر ببطء، إلى أن يؤدّي مع مرور الوقت إلى إصابات عصبيّة تعرقل الحركة والأداء اليومي.

التصلّب المتعدّد المتقدّم/المترقّي الثانوي (secondary progressive MS)

عمليًا، هذا النوع من التصلّب المتعدّد هو الحالة التي يتفاقم فيها التصلّب المتعدّد الناكس/الهاجع ويتحوّل إلى متقدّم/مترقّي، بدون هجوع. بشكل عام، وتيرة النوبات في هذه الحالات تأخذ في الانخفاض أو تختفي كليًا، لكن لا يكون هناك هجوع ويتفاقم المرض مع مرور الوقت.  حتى وإن كانت هناك نوبات، لا يكون هناك هجوع ملحوظ بين هذه النوبات. بالتالي، تتراكم الإصابات العصبيّة بشكل مستمرّ مع مرور الوقت.

 

كيف يمكن تشخيص التصلّب المتعدّد؟

يبدأ التشخيص عندما يتوجّه المتعالج لطبيب أعصاب ويشكو من مشكلة عصبيّة معيّنة (اضطراب في الإحساس، تضرّر الأداء الحركي، تضرّر في الاتّزان، مشكلة في الرؤية وما إلى ذلك). إذا اشتبه طبيب الأعصاب بوجود أعراض تشير إلى مرض التصلّب المتعدّد، يتمّ تحويل المتعالج لفحوصات تشخيصيّة أخرى مثل فحص MRI للدماغ والنخاع الشوكي، وأحيانًا فحص البزل القطني. في حالات معيّنة يجب أيضًا إجراء فحص الإمكانات المحفّزة.

مهمّ أن تعرفوا: من المعروف اليوم أنّه كلّما بدأ العلاج في مرحلة مبكّرة أكثر من المرض، كلّما كان احتمال التأثير عليه وتأخير وتيرة تفاقمه أكبر. لذلك، لا تتوانوا عن الأمر. يجب إجراء الفحوصات مع ظهور الأعراض الأولى.

ما هو العلاج الأفضل للتصلّب المتعدّد؟

بشكل عام، الهدف هو وقف/تأخير تفاقم الالتهاب المسبّب للأضرار. كلّ العلاجات المتوفّرة اليوم تهدف إلى التأثير على جهاز المناعة (تهدئته و/أو ثبطه بشكل جزئي).

علاج دوائي: حتى قبل فترة وجيزة، كان هناك علاج متوفّر فقط للمرضى المصابين بالتصلّب المتعدّد الناكس/الهاجع - مجموعة علاجات نجحت في العديد من الحالات بوقف النوبات كليًا تقريبًا، أو أنّها اتاحت إمكانيّة السيطرة عليه. في الآونة الأخيرة، تمّ اكتشاف أوّل علاج للمصابين بالتصلّب المتعدّد المتقدّم/المترقّي. يدور الحديث عن علاج بيولوجي يتمّ تقديمه عن طريق الوريد مرّة كلّ نصف سنة. تبيّن انّ العلاج ناجع في إحداث تأخير معيّن في وتيرة تفاقم المرض.

علاج عَرَضيّ: علاج دوائي، يهدف إلى تخفيف/علاج أعراض المرض المحدّدة (مثل: تصلّب العضلات الشديد، التعب، اضطراب في الإحساس أو صعوبة في التحكّم بالعاصرتين)، وفقًا للعرض ولشدّته.

علاج فيزيائي: إلى جانب العلاج الدوائي، يلجأ المرضى إلى مجموعة علاجات فيزيائيّة، مثلًا: العلاج الطبيعي، العلاج بالماء، العلاج الوظيفي و/أو بأجهزة خاصّة (مثل: مثبّتات خاصة لكفّة الرجل). تهدف هذه العلاجات إلى تحسين أداء المصاب بالمرض.

ملخّص: التصلّب المتعدّد هو مرض مناعي ذاتي مزمن، يسبّب إصابات عصبيّة متراكمة وتدريجيّة. الأبحاث في هذا المجال آخذة بالتطوّر بشكل كبير. من المعروف اليوم أنّ تشخيص المرض في مرحلة مبكّرة وتقديم علاج ملائم يساعدان على تأخير/وقف تفاقم المرض.

د. أرنون كرني هو مدير وحدة طبّ المناعة العصبيّة والتصلّب المتعدّد في المركز الطبّي إيخيلوف في تل أبيب.

موقع  zap doctors.

 

15/02/2020