الشاهوق (السعال الديكي): ارتفاع في نسبة انتشار المرض

هذا المقال تمت الموافقه عليه من قبل الطاقم المهني

الولد لا يكفّ عن السعال؟ لا تتهاونوا بالأمر! مرض الشاهوق مرض صعب جدًا، بالأخصّ لدى المواليد الجدد والأطفال الصغار. إن لم يتمّ تلقّي التطعيم، قد يشكّل المرض خطورة على الحياة. دليل شامل

الشاهوق (السعال الديكي): ارتفاع في نسبة انتشار المرض

الشاهوق (Pertussis) هو مرض معدٍ ناجم عن التعرّض لجرثومة Bordetella Pertussis التي تدخل إلى جهاز التنفّس عن طريق الأنف والحنجرة. بسبب السعال المتواصل والمصحوب بشهقات، سمّي المرض باسم Whooping Cough. إن لم يتمّ تطعيم الأطفال والاولاد الصغار، قد يكون الشاهوق مرضًا مميتًا - حتى أربعينيّات القرن الماضي، وقبل البدء باستعمال التطعيم، أدّى مرض الشاهوق إلى الكثير من حالات الوفاة، بالأخصّ لدى الأطفال الرضّع.


كيف ينتقل مرض الشاهوق؟

نسبة انتقال مرض الشاهوق مرتفعة جدًا. ينتقل المرض من خلال التعرّض لجراثيم مصدرها في لعاب شخص مريض، والتي تنتشر عند السعال أو العطس.

البالغون هم مصدر المرض، أيّ بعد إصابتهم بجرثومة البورديتيلا الشاهوقيّة وبمرض الشاهوق، تبقى الجرثومة في أجسامهم فيفرزونها من خلال جهاز التنفّس على مدار بضعة أسابيع وهكذا ينقلون العدوى للأولاد أيضًا.

             يتمّ إفراز جرثومة البورديتيلا الشاهوقيّة من خلال جهاز التنفّس لدى المرضى. تصوير: شاترستوك

ما هي أعراض المرض؟

أعراض المرض المعروفة هي سعال متواصل مصحوب باختناق (whooping)، نوبات سعال وتقيّؤ من بعد السعال.

لدى البالغين، الحالة المرضيّة طفيفة بالمقارنة مع الأولاد الصغار. أعراض المرض أقلّ تحديدًا وهي تشمل سعلًا متواصلًا - يستمرّ لـ 6 أسابيع تقريبًا؛ في العديد من الحالات، لا يكون السعال مصحوبًا بالشهقات التي تميّز المرض.

كما وأنّه في العديد من حالات الإصابة بالمرض لدى البالغين، لا تكون الأعراض مصحوبة بارتفاع في درجة الحرارة - لذلك يصعب تشخيصها لديهم. بالمقابل، لدى الأولاد والأطفال الصغار، يكون المرض صعبًا والسعال شديدًا جدًا.

ما هي مراحل المرض وما هي الأعراض التي تميّزه؟

يتقسم مرض الشاهوق إلى ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى - المرحلة النزليّة (Stage Catarrhal) وهي مرحلة تستمرّ لمدّة أسبوعين تقريبًا وتتميّز بأعراض غير محدّدة، مثل: ضعف، سيلان وسعال طفيف؛ ارتفاع درجة الحرارة - في حالات نادرة. الأعراض المشبوهة لمرض الشاهوق تشمل: ذرف الدموع واحمرار في الغشاء المخاطي لباطن العينين.

المرحلة الثانية - المرحلة الانتيابيّة (Paroxysmal Stage) وهي تبدأ في الأسبوع الثاني للمرض وتتميّز بعدّة نوبات سعال متواصلة وشديدة بنفس الزفير. بعد انتهاء السعال، يشهق المريض شهيقًا عميقًا مصحوبًا بصوت يميّز مرض الشاهوق - Whoop. في بعض الأحيان، يصاب المريض بالإغماء بعد السعال. تجدر الإشارة إلى أنّ شدّة السعال أكبر لدى الأطفال والأولاد الصغار.
في مرض الشاهوق، باستثناء السعال الشديد، يشعر المرضى بحالة جيّدة عادةً. بدون تلقّي العلاج، قد يستمرّ السعال مدّة 3-2 أشهر - ويختفي تدريجيًا.

المرحلة الثالثة - مرحلة التعافي - Stage Convalescent - تتميّز بانخفاض شدّة السعال تدريجيًا، وتستمرّ لمدةّ أسبوعين تقريبًا.

المرض - بمراحله الثلاث - يستمرّ لمدّة ثلاثة أشهر تقريبًا.

ما هي مضاعفات مرض الشاهوق؟

كما ذكرنا، قد يصاب الأطفال بمضاعفات مرض الشاهوق، وقد تؤدّي هذه المضاعفات إلى الاستشفاء وحتى إلى الوفاة. هناك نوعان من المضاعفات:

1. مضاعفات مرتبطة بالتلوّث نفسه: التهاب في الرئتين والتهاب في الأذنين.

2. مضاعفات مرتبطة بالأضرار الميكانيكيّة الناجمة عن السعال الشديد والمتواصل: نزيف في الغشاء المخاطي لباطن العينين، ظهور أو تفاقم كسور (تصدّع أو فتاق) في البطن أو الفخذ، كسور في الأضلاع، تسرّب بول. في حالات نادرة، قد تظهر مضاعفات شديدة، مثل: نزيف داخل المخّ، سكتة دماغيّة واختلاجات (بسبب انخفاض مستوى الأوكسجين أثناء السعال). كما ومن المحتمل أن يؤدّي المرض إلى الوفاة لدى الأطفال الصغار.

بدون تلقّي التطعيم للمواليد الجدد وللأطفال في الأشهر الأولى لحياتهم - نسبة الوفاة عالية

في السابق، ظهرت الحالة المرضيّة لدى الأولاد دون سنّ 10 سنوات. بالمقارنة مع البالغين، لدى الأطفال وبالأخصّ دون سنّ السنة - مرض الشاهوق صعب جدًا ونسبة الوفاة بسببه عالية. منذ أن بدأ تلقّي التطعيم الخلوي (cellular vaccine)، انخفضت نسبة وفاة الأطفال بسبب المرض بشكل كبير. في بعض الحالات، تمّ استبدال التطعيم الخلوي بتطعيم غير خلوية.

على سبيل المثال: في الولايات المتّحدة، أدّى برنامج تطعيم موسّع للأطفال إلى انخفاض كبير في حدوث المرض، إذ انخفض عدد حالات الإصابة به من 250,000 حالة تمّ الإبلاغ عنها عام 1934 إلى 1,010 حالات فقط عام 1976. غالبيّة الحالات المرضيّة التي يتمّ الإبلاغ عنها اليوم تحدث لدى الأطفال فوق سنّ 10 سنوات ولدى البالغين.

اللقاح الأوّل في التطعيم ضدّ الشاهوق (التطعيم الخلوي) نجح في تخفيض نسبة الوفاة لدى الأطفال ونسبة الحالات المرضيّة لدى مجمل الفئات بشكل عام. مع لك، كانت لهذا التطعيم اعراض جانبيّة - تحديدًا درجة حرارة عالية وبكاء الأطفال الذي تلقّوا التطعيم. كما واعتقد البعض أنّ هناك أعراضًا جانبيّة عصبيّة للتطعيم، لكن لم يتمّ إثبات هذه الأعراض.  الأعراض الجانبيّة للقاح الأوّل للتطعيم أدّت إلى تطوير تطعيم بديل - تطعيم غير خلوي (a-cellular vaccine). يدور الحديث عن تطعيم خامل يحتوي على مركّبات مختلفة من خليّة الجرثومة. التطعيم غير الخلوي يعتبَر أفضل من التطعيم الخلوي من حيث الأعراض الجانبيّة. كما وأن استعمال التطعيم الخلوي كان ممنوعًا للبالغين، فيما تمّت المصادقة على استعمال التطعيم غير الخلوي للبالغين.

إحدى سيّئات التطعيم غير الخلوي بالمقارنة مع التطعيم الخلوي هي أنّ نجاعته أقلّ من حيث تطوير الوقاية المناعيّة للأمد الطويل.

ارتفاع في انتشار الشاهوق في السنوات الأخيرة

على الرغم من النجاح السابق في تخفيض عدد حالات الإصابة بالشاهوق، نشهد في السنوات الأخيرة ارتفاعًا كبيرًا في نسبة الإصابة به في البلاد وفي العالم. غالبيّة الارتفاع في عدد الحالات المرضيّة هي لدى البالغين الصغار.

في اعقاب ارتفاع الحالات المرضيّة لدى البالغين، نشهد ارتفاعًا في الحالات المرضيّة لدى الأطفال الصغار أيضًا، دون سنّ السنة؛ وارتفاعًا في نسبة وفاة الأطفال بسبب الشاهوق، بالأخصّ في الأشهر الثلاثة الأولى من حياتهم وقبل تلقّي وجبة التطعيم الأولى.

ليست كلّ العوامل التي تؤدّي إلى ارتفاع في عدد الحالات المرضيّة مفهومة، لكنّ بعض هذه العوامل تتعلّق بمستوى وقاية مناعيّة أقلّ في التطعيم غير الخلوي. هناك عوامل محتملة أخرى: تغيير وراثي في الجراثيم، مستوى شبهات أعلى من طرف الأطبّاء وتحسين في مستوى دقة الفحوصات لتشخيص الشاهوق.

يُنصَح اليوم بتطعيم كلّ النساء الحوامل في الثلث الثالث من الحمل. تصوير: شاترستوك

تطعيم النساء الحوامل يقلّل من الحالات المرضيّة لدى الأطفال

تجدر الإشارة إلى انّ الارتفاع في عدد الحالات المرضيّة وتأثيراتها على الاطفال الصغار أدّى إلى تطوير طرق مختلفة لمنع الإصابة بالمرض لدى الصغار. بما أنّ أكثر من %50 من الحالات المرضيّة لدى الأطفال مصدرها عدوى من بالغ مصاب يتواجد في بيئة الطفل (بالأخصّ الأمّ) - فإنّ منع الإصابة بالمرض لدى هؤلاء البالغين ستحمي الأطفال من الإصابة به.

حتى قبل بضع سنوات، كان من المتّبع استعمال طريقة العشعشة (cocooning). إذا تواجد مصاب بالشاهوق في البيئة القريبة من الطفل، يُنصَح بتلقّي التطعيم وتقديم علاج وقائي بالمضادات الحيويّة لكلّ الأشخاص المتواجدين على مقربة من الطفل ويحتكّون به. مع ذلك، لم تثبت هذه الطريقة نجاعتها بشكل كافٍ في منع الحالات المرضيّة لدى الأطفال - وهي صعبة التنفيذ من الناحية اللوجستيّة. في بعض الحالات، تبيّن أنّ هناك شخصًا بالغًا مصابًا بالمرض بعد أن أصيب الطفل.

أدّى فشل طريقة العشعشة إلى استعمال الطريقة الأفضل اليوم في البلاد وحول العالم: تطعيم كلّ النساء الحوامل في الثلث الثالث من الحمل، في الأسبوع 27 حتى 36 من الحمل. تطعيم الأمّهات يمنع إصابة الأطفال بالمرض، لأنّ الأمّ هي المصدر الأساسي لانتقال المرض للطفل.

كما وأنّ التطعيم يزيد من مستوى المضادات في دم الأمّ - إذ تنتقل هذه المضادات بشكل خامل للجنين عن طريق المشيمة. هذه المضادات تحمي الأطفال خلال الأشهر الأولى من حياتهم، إلى أن يتلقّوا وجبة التطعيم الأولى في سنّ الشهرين.

يُنصَح بتلقّي التطعيم في كلّ حمل، بغضّ النظر عن التطعيمات السابقة وللحالات السابقة من الإصابة بالشاهوق. لتلقّي التطعيم في الوقت المناسب، الأسبوع 36-27 من الحمل، أهميّة كبيرة في إنتاج المضادات بكميّات كافية لحماية المولود إلى أن يتلقّى وجبة التطعيم الأولى في سنّ الشهرين.

هذه النصائح سارية في البلاد أيضًا، وهي تعتبَر اليوم جزءًا من التطعيمات الروتينيّة الموصى بها في البلاد.

التطعيم ضدّ الشاهوق أثناء الحمل آمن. لم تتمّ مشاهدة ارتفاع في عدد حدوث حالات غير مرغوب فيها جراء التطعيم، أثناء الحمل او من بعده (مثلا: إجهاض، ولادة مبكّرة، تشوّهات خلقيّة أو مشاكل في الجهاز العصبي).

كما وتجدر الإشارة إلى أنّ تقديم التطعيم ضدّ الشاهوق للامّ أثناء الحمل لا يضرّ بنجاعة الاستجابة للتطعيم ضدّ الشاهوق الذي يقدَّم للطفل في سنّ الشهرين، ولا يضرّ بنجاعة الاستجابة للتطعيمين ضدّ الخانوق (دفتيريا)  وضدّ الكزاز (تيتانوس) اللذين يقدّما في نفس الوقت.

يقدّم التطعيم ضدّ الشاهوق على خمس وجبات: حتى سنّ السنة - أربع وجبات: في سنّ شهرين، أربعة أشهر، ستّة أشهر وفي سنّ السنة. على ضوء الارتفاع في نسبة انتشار مرض الشاهوق، أضافت وزارة الصحّة قبل بضع سنوات وجبة خامسة، تقدَّم للأولاد في الصفّ الثاني.
 

ماذا يشمل علاج المريض ومن يحتكّ به؟

العلاج ناجع فقط في المرحلة الأولى من المرض - وهو يقصّر من فترة السعال وشدّته. مع ذلك، نادرًا ما يتمّ تشخيص المرض في مرحلة مبكّرة جدًا، فأعراض المرض كما ذكر ليست محدّدة في بداية المرض.

يجب البدء بتلقّي علاج بالمضادات الحيويّة إذا ظهر السعال في الأسابيع الثلاثة الأخيرة. بعد ذلك، لا جدوى من العلاج. العلاج المفضّل بالمضادات الحيويّة يشمل الأدوية من عائلة الماكروليدات (أزنيل أو كلاريتروميسين) لمدّة 7-5 أيّام. يمكن تلقّي علاج بالمضادات الحيويّة من عائلة الماكروليدات لمدّة 7-5 أيّام أيضًا للأشخاص الذين احتكّوا بالمريض، وذلك لمنع إصابتهم بالمرض.

ملخّص : الشاهوق هو مرض معدٍ ينتقل بسرعة. الطريقة الأفضل لمنع المرض هي تلقّي التطعيم. أعراض المرض لدى المواليد الجدد والأطفال الصغار تكون أصعب؛ نسبة المضاعفات أعلى، بما في ذلك الوفاة أيضًا. التطعيم مهمّ جدًا بالأخصّ للنساء الحوامل، وذلك من أجل تقليل احتمال إصابة المولود بالمرض (إصابته بالمرض تشكّل خطورة كبيرة على حياته). على مدار سنوات طويلة، نجح التطعيم في تقليل عدد الحالات المرضيّة وحالات الوفاة لدى الأطفال، إلّا أنّه في السنوات الأخيرة طرأ ارتفاع في نسبة انتشار المرض. لتقليل حالات الإصابة بالمرض لدى الأطفال، يجب تقديم التطعيم للنساء الحوامل ضمن التطعيمات الروتينيّة، وذلك لزيادة مستوى المضادات في الدمّ وانتقالها للجنين عبر المشيمة - هذه المضادات تحمي الجنين بشكل كافٍ إلى أن يتلقّى التطعيم الأوّل في سنّ الشهرين.
 أخصّائيّة في الأمراض المعدية، مديرة وحدة الأمراض المعدية ومنع التلوّثات في المركز الطبي "وولفسون" في حولد. ياسمين مؤور   

ساعدت في إعداد المقالة: شيرلي شاني، مراسلة Zap Doctors

24/11/2019