الطفل الخديج والعلاج المكثف

هذا المقال تمت الموافقه عليه من قبل الطاقم المهني

د. نزار سعد مختص في طب الاطفال والعلاج المكثف للاطفال الخُدَّج يتحدث مع موقع طبيبكم حول الطفل الخديج والعلاج المكثف

الطفل الخديج والعلاج المكثف


د. نزار سعد خريج المدرسة المعمدانية في الناصرة، عام 1979، بدأ يتعلم الطب في كلية "هداسا" في نفس العام، وانهى تعليمه الجامعي عام 1985، ثم قام بتدريب مهني في مستشفى العفولة عام 1986، وبدأ تخصصه عام 1987 في قسم الاطفال في مستشفى روتشيلد، وانهى تخصصه في طب الاطفال بعد اربعة اعوام ونصف العام، ثم استكمل تخصصه في العلاج المكثف للاطفال الخُدَّج في سنتين اضافيتين، ومنذ العام 1993 يعمل د. نزار سعد في مستشفى العائلة المقدسة بالناصرة، ويدير وحدة علاج الأطفال الخدج التي تعتبر واحدة من اهم وأحدث وحدات الخدج في الشمال.

لا مجال للمقارنة بين العلاج المكثف للاطفال والعلاج المكثف للبالغين، ويقول د. سعد انهما علمان مختلفان كليا لا يجمعهما سوى بعض انواع من الادوية، ومبدئيا فان الادوية الموجودة في غرفة العلاج المكثف للخدج معظمها وجدت لعلاج الكبار، في غياب توجه عام وعالمي لانتاج أدوية خاصة بالأطفال وذلك على الرغم من الاختلاف الكبير في أمراض الاطفال وبين البالغين، والتشابه قائم فقط في نسخ او تقليد الادوية التي تستخدم للكبار ولكن بجرعات مخففة بما يتلاءم مع وزن او سن الطفل.  

من هو الطفل الخديج؟ كيف يعرّف؟

الخداجة لا علاقة لها بوزن الطفل- كما يظن البعض- وانما هي متعلقة بفترة الحمل، والتعريف الرسمي للطفل الخديج هو الفل الذي يجيء الى العالم بعد اقل من 37 اسبوعا من الحمل، وهو الحد الفاصل بين الخديج والمولود العادي.

هل هنالك مواليد يكملون فترة الحمل (9 أشهر) ويتم اعتبارهم خدج؟

لا ابدا، مرة أخرى ارغب في تصحيح هذه المفاهيم الخاطئة، فالطفل الخديج لا يحدد حسب الوزن وانما حسب اسابيع الحمل وعدة الحمل لدى المرأة تبدأ منذ الدورة الشهيرة الاخيرة التي سبقت الحمل، والعد يكون بالاسابيع وليس الشهور، والخديج ليس هو "السباعي" كما يعتقدون أي بعد سبعة شهور من الحمل، بل قد يكون خمسة أشهر ونصف، والحد الادنى من الخداجة هو 24 شهرا التي يمكن فيها للطفل ان يعيش في حاضنة، أما دون ذلك ففرص الحياة له تكون شبه معدومة. ويقول د. نزار سعد ان المولود الخديج الذي يجيء بعد 24 اسبوعا يكون وزنه حوالي 550 غراما، وكل اسبوع اضافي تزيد من فرص واحتمالات بقائه على قيد الحياة. وأضاف كل اسبوع وكل يوم يكون مهما في هذه المرحلة.

هل هنالك قوانين دولية تلزم الاطباء ببذل كل مجهود من اجل استمرار حياة الأطفال الخدج؟

المتعارف عليه علميا ودوليا ان المجهود الأقصى يبذل كما ذكرت سابقا للمولود الذي استكمل 24 اسبوعا، وهو الحد الادنى للخداجة، ويمكن للطبيب المعالج ان يجري عملية انعاش كامل لهذا المولود وربطه بجهاز تنفس، أما ما دون ذلك (أي 22 – 24 اسبوعا) فان ارادة أو رغبة الاهل هي التي تقرر لأن احتمالات حدوث اعاقة ذهنية لدى الطفل تكون عالية في هذه الحالة، وقد يعيش حياته مع عاهة مستديمة، فضلا عن ان احتمالات بقائه على قد الحياة منذ البداية لا تتعدى 5%.

ويقول د. نزار سعد ان الاهالي عادة ما يغلّبون العاطفة والايمان على العقل، ولا يكترثون للتحذيرات بأن المولود قد يعيش مع عاهة جدية ربما تكون ذهنية او يكون مصابا بالعمى أو الطرش، لذلك فان هنالك اتفاق بين الأطباء المختصين في هذا المجال في البلاد، على ان تبذل الجهود في المواليد الخدج الذي اكملوا فترة 24 اسبوعا من الحمل فما فوق وليس دون ذلك. أما المواليد دون الاسبوع الـ 22 فلا أمل لهم في الحياة ومحاولة انقاذهم ما هي الا وسيلة تعذيب لهم لبضعة ساعات ثم يموتون.

في أي اسبوع يكتمل الجنين؟

لا يوجد تعريف لكلمة يكتمل، فنحن نعرف اننا لو اخذنا جنينا يبلغ (15 اسبوعا) تجده مكتملا من حيث الاعضاء لكن هذه الاعضاء تمكنه من العيش داخل الرحم في هذه المرحلة وليس خارج الرحم، أما فيما يتعلق بالاكتمال الوظيفي لاعضاء الجسم فانها من المؤكد انها لا تعتبر مكتملة وانما هي استمرارية يبدأ قبل الولادة وتستمر على مدار مراحل التطور والنمو بعد الولادة. وهنالك علاقة تناسبية بين كتلة العضو ووظائفه، فحتى المولود الوافي وليس الخديج، لا تستطيع كليته على سبيل المثال تحمّل كمية من البروتينات او الاملاح التي تستوعبها كلية طفل في العاشرة من عمره، كذلك لا يستطيع الحصول على الغذاء الذي يحصل عليه طفل بالغ، لذلك فان مصطلح "الاعضاء المكتملة" غير قابلة للتعريف. وبشكل عام فأن ما يهمنا في الطفل الخديج هو ان تكون رئتيه ناضجتين من حيث المبنى والوظيفة، ونستطيع ان نجزم بأن هذا هو العنصر الاساس الذي يحدد مصير الطفل المولود الخديج في الايام الاولى وقدرته على العيش ام لا. وفي الدرجة الثانية وربما هي الأكثر أهمية "الحالة الذهنية" للمولود وهذا ما نستطيع ان نحدده من خلال فحص "اولتراساوند" لدماغ المولود الخديج. وهذا الفحص يتكرر بوتيرة مرة واحدة في الاسبوع لمراقبة الوضع الذهني للمولود.

الخداجة لا علاقة لها بوزن المولود بل بعدد اسابيع الحمل

لماذا الدماغ؟

هنالك ظاهرة احتمال الاصابة بنزيف داخل حجيرات الدماغ، وهذا النوع من الاصابة يقتصر على الاطفال الخدج دون سواهم الامر الذي يترتب عليه القدرات الذهنية للطفل في مراحل تطوره وتعلمه، لذلك فان الاسبوع الاول من ولادة الطفل الخديج هو الذي يحدد مصير الطفل فيما اذا كان معرضا للاصابة بنزيف في الحجيرات الدماغية وبالتالي قدراته الذهنية للمستقبل.

اذن ما يحدد مصير حياة الطفل الخديج في الاسبوع الاول لولادته، هما عاملين اساسيين اولهما حالة الرئتين، الامر الذي يترتب عليه استمرار او وقف حياة المولود، ثم النزيف داخل الحجيرات الدماغية الذي قد يترك عاهة مستديمة وغالبا ما تكون خطيرة لدى المولود الخديج، وكلما كان عدد الاسابيع اقل كلما ازداد احتمال الاصابة، وعدد الاسابيع الحرجة في حياة الخديج هي بين 24 – 30 اسبوعا، وكلما ازداد عدد اسابيع الحمل كلما ازدادت احتمالاته في الحياة، علما ان الفارق بين مولود في الاسبوع الـ 25 للحمل وبين مولود في الاسبوع الـ 28 هو هائل جدا وتكون احتمالات انقاذ حياته اعلى بكثير.

ماذا تعطي الحاضنة (انكوباتور) للمولود الخديج؟

الحاضنة او الدفيئة (انكوباتور) هو اختراع بدأ منذ نحو 100 سنة، واول حاضنة في العالم كانت ابتكرها الطبيب كانت عبارة عن صندوق خضار مبطن بالقش (كما تفعل الدجاجة) وأهم عنصر في الحاضنة هو انها تمنع هبوط درجة حرارة المولود، وكلما ازدادت خداجة الطفل فانه يحتاج الى درجة حرارة اعلى تصل الى 34 درجة، واذا ما اصيب الخديج بهبوط في درجة الحرارة "هيبوتيرميا" فانه يموت. كذلك تحتوي الحاضنة على رطوبة يحددها الطبيب لعدم خسارة المولود السوائل بسبب الحرارة العالية داخل الحاضنة.

هل يظهر المولود الخديج اشارات معينة يمكن للطبيب ان يفهمها؟

فور وضع المولود الخديج داخل الحاضنة يتم ربطه بجهاز "مونيتور" يقيس النبض وعدد مرات التنفس (الشهيق) مع رسم بياني توضيحي، ويقيس ايضا نسبة الاكسجين في دم المولود، وبشكل عام كل مولود مهما بلغت خداجته فان طبيعته تجعله يحاول ان يتنفس بقدراته الذاتية ويبكي، وكل مولود خديج جاء بعد 30 اسبوعا وما دون ذلك فانه يحتاج الى تنفس اصطناعي مساعد، لذلك يتم ربطه بجهاز تنفس يساعد الخديج على التنفس ما لم يستطيع الحصول على الكمية التي يحتاجها من الاكسجين. وهنالك جهاز داخل الحاضنة يقيس نسبة الاكسجين التي يحصل عليها الخديج وبموجب هذه النسبة يحدد الطبيب نسبة الاكسجين التي يحصل عليها الطفل بقدراته الذاتية وحاجته الى مزيد من الاكسجين الاضافي التي تعطى له بواسطة جهاز التنفس الخارجي.

ومن اهم العلاجات التي تعطى للطفل الخديج هو التنفس الاصطناعي وهو ما أدخل الى طب الاطفال الخدج في سنوات السبعين من القرن الماضي. في حين ان التنفس الاصطناعي للبالغين بدأ في الخمسينيات. وبفضل هذا العلاج فقد تم انقاذ حياة ملايين الاطفال الخدج منذ السبعينيات وحتى اليوم بفعل هذه الفكرة الصغيرة والعظيمة في الوقت نفسه، وهي عبارة عن انبوب دقيق يتم ادخاله الى رئة المولود وربطه بجهاز تنفس خارجي.

متى يتم فصل المولود الخديج عن جهاز التنفس؟

يقول د. نزار سعد ان فحوصات دم دورية تجرى للمولود الخديج من خلال جهاز قسطرة دقيق جدا، يتم ربطه بالطفل عن طريق حبل السرّة وصولا الى شريان الأوورطا في القلب، ويحصل الطبيب باستمرار على عينات دم لقياس نسبة الاكسجين في الدم، وعندما يكتمل تنفس المولود تبدأ عملية فطامه عن جهاز التنفس الداعم لجهاز التنفس الطبيعي لدى الطفل.

حق الاولوية في الحاضنة للمولود الجديد.

كثيرا ما تحدث ازمات في عدد الحاضنات المحدود في المستشفيات، وعندما تكون جميع الحاضنات مليئة في أي مستشفى فان اول الحلول تكون تحويل الام الوالدة الى مستشفى قريب تتوفر فيه حاضنة للمولود، واذا لم تتواجد هذه الحاضنة قان حق الاولوية في البقاء داخل الحاضنة يكون للمواليد الاكثر خداجة (الاصغر) والمواليد الخدج غير المعافين، أي الذين يعانون من امراض. وكانت هنالك فكرة لتنظيم شبكة محوسبة لاحصاء وتحديد اماكن الحاضنات المتوفرة في مستشفيات البلاد. والفكرة ما زالت موجودة ولكنها لم تطبق حتى اليوم. وأشار د. سعد الى انه يمكن اخراج الخديج من الحاضنة عندما يكمل فترة 34 اسبوعا، ويبقى في المستشفى تحت العناية والرعاية الطبية لمدة اسبوعين اضافيين ولا يغادر المشفى الا بعد ان يكمل 36 اسبوعا، ووزنه فوق الكيلوغرامين، وان يتناول 50 غراما من طعامه عن طريق الفم بقدراته الذاتية وأن يحافظ على درجة حرارة جسمه دون مساعدة طبية.

من بين المشاكل الاخرى لتي تقتصر على الاطفال الخدج والتي وجدت حلولا لها بفضل تطور العلم والطب، هو شريان الدلف المعروف طبيا باسم "دوكتوس" وهو الشريان الذي يفصل بين الدورة الدموية الكبرى والدورة الدموية الصغرى في القلب، والذي عادة ما يغلق تلقائيا مع ولادة الطفل العادي، الا انه قد يحتاج الى علاج بالادوية او بعملية جراحية في القلب، ومثل هذه العمليات اجريت في مستشفى العائلة المقدسة.   

01/03/2013